بعد سقوط النظام السابق شهدت الساحة العراقية انفتاحا واسعا ولمختلف المجالات، ومن بين هذا الانفتاح انتشار الجامعات الأهلية بمختلف الاختصاصات، لكن اغلبها غير معترف به من قبل وزارة التعليم العالي، إلا أننا نجد توافدا كبيرا من المتعطشين لتعويض ما فاتهم في الحقبة المظلمة التي عاشها المواطن العراقي وتحديدا موظفي الدولة الذين بادروا إلى تعزيز مواقعهم الوظيفية ومراكزهم الإدارية من خلال الحصول على شهادة البكالوريوس، لكن على ما يبدو إن هذا الأمر يحمل بين جنباته الكثير من السلبيات لدرجة انه بات يهدد الساحة العلمية. وهذا أمر يتفق عليه الكثير من اهل الاختصاص.
من بين أهم الكليات التي أصبح عليها إقبالا واسعا، هي كليات القانون الأهلية في العراق، ولمعرفة المتعلقات الخاصة بهذا الموضوع من حيث مدى تأثير هذه الكليات على الساحة القانونية، وللوقوف على أهمية الدراسة الاهلية والفرق بينها وبين الدراسة الحكومية من جهة والتعرف على ما تتركه على الساحة القانونية من بصمات0
[b]المحامي عبد الحسن كاظم ابولحمة، قال، ان هذا الموضوع يعد من المواضيع الهامة، وبالخصوص كليات القانون الأهلية والتي لها تأثير ايجابي وسلبي على الساحة القانونية، فبالنسبة للتأثير الايجابي فإنه ناجم من خلال ملء العديد من الشواغر والوظائف القانونية في دوائر الدولة، لكن يجب أن تؤسس هذه الكليات على مبدأين أساسيين هما أن يكون معدل الطالب المتقدم إلى الدراسة في هذه الكليات لا يقل عن معدل الطالب المتقدم إلى الدراسة في كليات القانون الحكومية آخذين بنظر الاعتبار سلوكيات ذلك الطالب للتأكد من ألا يكون المتقدم للدراسة من ذوي السلوكيات التي لا يحبذها المجتمع وان لا يكون من الموظفين المطرودين من الوظيفة نتيجة لفساد إداري مثلا، لاسيما وأننا نلاحظ العديد من هؤلاء المطرودين قد تقدموا للدراسة في هذه الكليات وبالفعل تم قبولهم فيها وقد باشروا بالدراسة وتخرج قسم منهم، هذا من جهة ومن جهة أخرى البلد بحاجة إلى كوادر قانونية لذا ينبغي أن تكون هذه الكليات وما تخرجه من طلاب سنويا متناسبا مع هذه الحاجة من حيث العدد والكفاءة، حيث إن هذه الكليات كثيرة وعدد الطلبة المتقدم إليها كثير أيضا الأمر الذي أدى إلى إنتاج عدد هائل من المحامين أكثرهم بقي دون وظيفة وهذا الأمر تحديدا سيؤثر سلبا على الساحة القانونية.
أما المحامي حسين عباس الطائي فقال: لقد ظهر في الآونة الأخيرة وتحديدا بعد أحداث 9/4/2003 ما يسمى بالجامعات الأهلية وقد اختصت بمختلف الاختصاصات التي كان من بينها كليات القانون، ومن المعروف إن هذا النوع من الجامعات يهدف إلى تحقيق الربح المادي بالدرجة الأساس وقد يكون الجانب العلمي ثانويا من حيث الأهمية، وخير دليل على ذلك إن الجامعات الأهلية لا تلتزم بالمناهج التي تقرها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيث تقوم هذه الجامعات بتبسيط المناهج للطلبة من خلال طرح ما يسمى بالملازم وذلك كوسيلة لجذب اكبر عدد ممكن من الطلبة للدراسة فيها إضافة إلى إنها تمنح الخريجين معدلات عالية قد لا يكون المتخرج مستحقا لها من حيث الجهد المبذول والكفاءة العلمية الأمر الذي يؤثر سلبا على الساحة القانونية وبالدرجة الأساس خريجي الجامعات الأهلية.
واضاف الطائي إن الأمر الأكثر أهمية في الكليات بصورة عامة هو الانتظام بالدوام والتواصل مع المادة والمواظبة عليها من دون أن يصار إلى التفريق بين هذا الطالب وذلك وهذا أمر قد اعتدنا عليه، ولكن الذي يحصل انه قد يعتقد طالب الكليات الأهلية أو حتى المسائية بأنه قد دفع مبلغا معينا من اجل الحصول على شهادته أو قد يعتمد على هذا المبلغ بأنه مقابل نجاحه وبالمقابل قد يقدر الأساتذة ذلك من خلال التهاون مع الطلبة نوعا ما ولكن هذا الأمر من وجهة نظري متعلق بمستوى الطموح الشخصي الذي يحمله الطالب وخاصة عندما يلجا الطالب إلى هذه الدراسة من اجل تعزيز موقعه الوظيفي أو منصبه الإداري فما المانع لو حصل رجل الشرطة على شهادة قانونية إضافة إلى اختصاصه ليزيد من كفاءته في انجاز عمله الموكل إليه هذا بالنسبة لموظفي الدولة أو أصحاب الشهادات، أما بالنسبة لخريجي الدراسة الإعدادية فيجب مراعاة مسألة العمر والمعدل للطلبة المتقدمين للدراسة في هذه الجامعات لاسيما وانه من الملاحظ إن معدلات الطلبة بدأت تنخفض والكليات الأهلية بدأت بتقديم التنازلات في هذا الجانب وذلك من خلال تهاونها في قبول المعدلات المنخفضة في الوقت الذي تعد فيه الدراسة القانونية من أرقى الدراسات الإنسانية لعلاقتها المباشرة مع حياة الإنسان اليومية وتنظيمها، من جانب آخر فإن الدوام الرسمي في هذه الكليات قد لا يتجاوز أربعة ساعات يوميا وهذه المسالة تحمل في طياتها الكثير من السلبيات لعل من أبرزها إن الوقت غير كاف لأن يلقي الأساتذة المحاضرات بالشكل المطلوب الذي يفهمه ويستوعبه المتلقي مما يؤثر سلبا على المستوى العلمي للخريجين.
اما بخصوص التأثيرات السلبية لهذه الجامعات؟ قال المحامي عبد الحسن أبو لحمة ان التأثير السلبي لهذه الجامعات هو إن قبول الطلبة فيها لا يراعي أهم الجوانب العلمية مثل المعدل الذي قد لا يؤهل الطالب إلى الحصول على فرصة دراسية في احد المعاهد التقنية والفنية في الدراسة الحكومية، فضلا عن حصول أعداد كبيرة من الطلبة على شهادة الإعدادية بالطرق غير الأصولية من دون إي عناء والأمر لم يعد خافيا على احد ومجرد مراجعة احد هؤلاء الخريجين إلى نقابة المحامين وتسديدهم الاشتراك المالي فإن الأخيرة لا تتوانى في قبولهم وبذلك يصبحون محامين في الوقت الذي لازال الكثير منهم لا يعرف قواعد وسلوكيات المحامي الذي يمثل القضاء الواقف، ناهيك عن مشاهدتنا اليافطات والقطع الضوئية للمحامين على مكاتب الدلالين بحيث أصبح المحامي يحمل صفة "دلاّل" من حيث الدلاّل المحامي والمساح المحامي والمهندس المحامي وغيرها من المسميات الأخرى التي لا يسمح قانون المحاماة بها مطلقا، ناهيك عن اتفاق العديد من المحامين مع المكاتب الشرعية ومكاتب الاستنساخ الأمر الذي بات يهدد حقوق الناس ولا أدري كيف يدافع الموظف الحقوقي على المال العام إذا كان مستواه العلمي لا يؤهله لذلك مع كل احترامي وتقديري لكل الطلبة المقبولين في هذه الكليات من ذوي السمعة الطيبة والسيرة الحسنة والكفاءة العلمية الذين اجبروا على ترك الدراسة الحكومية لعدم سماح ظروفهم الخاصة لذلك.
فيما ذكر المحامي حسين عباس الطائي، لا يخفى على الجميع التأثير السلبي لهذه الجامعات على الساحة القانونية من خلال تخريجها لدفعات كبيرة سنويا بعضهم ليسوا اكفاء والسبب خارج عن إرادتهم الشخصية كونهم لم يتلقوا المعلومة بالشكل الصحيح الذي يمكنهم من الإحاطة بقواعد وسلوكيات المهنة.
وقد تحدث أبو لحمة عن حلول مقترحة لتفادي هذه التأثيرات وقال، أنا أطالب مجلس النواب العراقي بضرورة وضع ضوابط صارمة لكليات القانون الأهلية أسوة بباقي الكليات الحكومية من خلال تشريع قانون خاص حفاظا على هيبة القانون العراقي ورجال القانون العراقيين وسمعة العراق القانونية وذلك أسوة بالكليات العلمية التي لا يسمح بفتح فروع أهلية منها مثل كليات الطب والصيدلة.
اما الطائي فقال مقترحا، أنا ادعوا إلى ضرورة إنصاف المحامين الأكفاء الذين حصلوا على شهاداتهم من الكليات الأهلية من خلال التأكد من الشهادات الاعداداية للطلبة عن طريق لجنة تشكلها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومن ثم يتم إجراء اختبارا شاملا لهم للتأكد من سلامة مستواهم العلمي للحيلولة دون التواطؤ الذي قد يحصل ما بين الجامعات الأهلية من جهة والطلبة من جهة أخرى وذلك باعتبار هذه الكليات مؤسسات ربحية، هذا بالنسبة للطلبة الذين تخرجوا نهائيا أما بالنسبة للطلبة الجدد أو الذين مازالوا يمارسون دراستهم فيها فإني أرى انه من الضروري أن يتم وضع آلية أصولية أو أن يسن قانون خاص يمكن من خلاله تحديد قبول الطلبة في هذه الجامعات بحيث يكون الخريج منها يوازي الخريج من الدراسة الحكومية من حيث الكفاءة العلمية إضافة إلى ممارسة الرقابة المشددة على هذه الجامعات وتحديدا ما يتعلق بقبول الطلبة والامتحانات واقترح أن تكون الأسئلة موحدة للدراسات الحكومية والأهلية أو أن تعتبر الدراسة على مدى عام كامل تمهيدية ويتم بعدها إجراء امتحان نهائي من 100 درجة يقيم الخريج من خلاله .
ويبقى الأمر معلقا لحين إصدار قانون يحدد عمل هذه الكليات التي باتت تغزو الساحة العراقية بشكل كبير مخلفة وراءها الكثير من التساؤلات..
[/b]